الصحة النفسية كما الصحة الجسدية، لا تنهار فجأة، بل تتدهور تدريجيًّا، وغالبًا ما تسبق الاضطرابات النفسية الحادة مؤشرات طفيفة لا يُلتفت إليها في بادئ الأمر. إن ملاحظة هذه العلامات المبكرة قد تكون الفارق بين تدخل علاجي مبكر وفعّال، وبين تفاقم الحالة لتتحول إلى معاناة طويلة الأمد.
ومع أن بعض الأعراض النفسية قد تكون عابرة أو نتيجة للضغوط اليومية، فإن تكرارها واستمرارها يشير إلى ضرورة الانتباه وربما التدخل.
نستعرض في هذا المقال أهم هذه العلامات التي تعد إشارة إلى وجوب الانتباه وربما التدخل العلاجي.
- انخفاض الأداء
من العلامات الدقيقة التي قد تشير إلى وجود مشكلة نفسية تتفاقم مع الوقت، هي التدهور الملحوظ في الأداء اليومي. قد يظهر ذلك في تدني مستوى التحصيل الأكاديمي للطالب، أو تراجع كفاءة الموظف في مهامه الوظيفية، أو حتى صعوبة في إنجاز المهام المنزلية العادية التي كان يقوم بها بسهولة. هذا الانخفاض لا يقتصر على جانب واحد، بل قد يمتد ليشمل عدة مجالات من حياة الفرد، ما يعكس تأثيرًا شاملًا في قدرته على العمل والتفاعل الطبيعي.
- التغيرات والتقلبات المزاجية
واحدة من أبرز العلامات التي قد تشير إلى بدء اضطراب نفسي هي التغيّرات المزاجية غير المعتادة، مثل الحزن أو الانزعاج أوقاتًا طويلة دون سبب واضح، أو التهيّج والغضب المفرط لأمور يسيرة (irritability).
-الاضطرابات في النوم والطعام
النوم من أكثر المؤشرات حساسية للحالة النفسية، فاضطراب النوم، سواء كان في صورة أرق متكرر أو نوم مفرط، قد يكون من العلامات المبكرة على اضطرابات مثل الاكتئاب أو القلق. كذلك التغير في الشهية، سواء بانخفاضها الحاد أو زيادتها الكبيرة.
- التعب المستمر وانخفاض الدافعية
التعب الذي لا يرتبط بمجهود جسدي واضح، والشعور بانعدام الطاقة حتى عند الاستيقاظ، هي أيضًا إشارات محتملة. الأهم من ذلك هو غياب الدافع نحو الأمور التي كانت ممتعة أو مهمة في السابق؛ هذا التراجع الشديد في الحماسة تجاه الحياة قد يكون أحد العلامات الأوّلية للاكتئاب.
- الأفكار السلبية أو الانتحارية
مع صعوبة الحديث عنها، فإن وجود أفكار تتعلق بعدم الرغبة في الاستمرار بالحياة، أو تمني الموت، أو تخيّلات عن إيذاء الذات، يجب أن تؤخذ بجدية؛ فظهور هذه الأفكار، حتى ولو وقتًا قصيرًا، مؤشر يحتاج إلى تدخل خصوصًا إذا كان الشخص قد انسحب من حياته الاجتماعية وبدا عليه الشعور باليأس.
خاتمة:
وختامًا، فمن المهم أن نوضح أن ملاحظة هذه العلامات لا تعني بالضرورة أن الشخص مصاب باضطراب نفسي، بل هي مؤشرات أولية تُنبّه إلى ضرورة تقييم أعمق. إن التدخل المبكر في حالات الاضطرابات النفسية، كما في الأمراض الجسدية، يزيد كثيرًا من فرص الشفاء ويمنع التدهور. ولهذا فإن نشر الوعي عن العلامات المبكرة ليس فقط مسؤولية المختصين، بل مسؤولية الأهل، والأصدقاء، والمؤسسات التعليمية والمهنية أيضًا.
إن فهمنا وتعرُّفَنا إلى العلامات المبكرة للاضطرابات النفسية هو خطوتنا الأولى نحو مجتمع يتمتع بصحة نفسية أفضل. تذكَّر، هذه العلامات ليست دائمًا واضحة، وقد تتداخل مع ضغوط الحياة اليومية، لكنْ عندما تستمر هذه التغييرات وتؤثر في جودة الحياة، يصبح طلب المساعدة أمرًا لازمًا.